lundi 14 avril 2008

التبرعات تحسم الانتخابات الأمريكية



كالعادة بدأ مسلسل الحملات الانتخابية الرئاسية الأمريكية مرحلة جديدة من الإثارة الكفيلة بجذب الناخب الأمريكى لمتابعة مفاجآت كل يوم من الآن وحتى نوفمبر المقبل، اللافت زيادة جرعة المفاجآت المبكرة،

لاسيما على صعيد التنافس بين مرشحى الحزب الديمقراطى للحصول على ترشيح الحزب لخوض سباق انتخابات الرئاسة الذى تضاءلت فرص وصول مرشح ديمقراطى للبيت الأبيض خلفا للرئيس الجمهورى جورج بوش الذى تسبب أداؤه وحكومته فى تقلص فرص استمرار الجمهوريين فى الحكم، وفى العودة للقفز على مقاعد الأغلبية بالكونجرس.

الاختلاف هذه المرة هو المنافسة الشرسة ما بين أول امرأة تترشح للرئاسة وهى السيناتور «هيلارى كلينتون» وأول ملون يتمتع بشعبية واسعة وكاريزما، وإن كان ليس الملون الأول الذى يخوض هذه المعركة وهو السيناتور «باراك حسين أوباما»، حيث سبقه القس «جيسى جاكسون».
«أوباما» قد فاز فى السباق التمهيدى الأول فى ولاية «أيوا»، وهى ولاية تسكنها غالبية بيضاء ومتدينون نوعا ما، وتمثل «قلب أمريكا»، متقدما على «هيلارى» وبقى «جون إدواردز» فى المركز الثالث بعيدا عنهما نوعا ما، لكن فى انتخابات «نيو هامبشاير» الاستطلاعية اختار ديمقراطيو هذه الولاية الليبرالية والمثقفة والبيضاء نوعا ما «هيلارى» التى حصلت على 39%، لكن بفارق ضئيل عن «باراك أوباما» الذى حصل على ما يقرب من الـ 37%، الفارق بين الانتخابات فى الولايتين باعتبارهما المحك الأول فى الجولات الانتخابية، كان لا يزيد على خمسة أيام. ولكن فريق هيلارى المخضرم، وبمساعدة من دموع ظهرت للمرة الأولى فى عينى «هيلارى» الحديدية التى كانت تتميز دوما بوجود مؤيدين وأعداء ولا وسط بينهما، فساهمت تلك الدموع فى إعادة جذب النساء للتصويت لهيلارى، حيث صوت لصالحها 46% من النساء فى نيوهامبشاير «ديمقراطيين ومستقلين»!

من ناحيته لم يسكت «باراك أوباما» الذى رشحته استطلاعات الرأى للفوز بنيوهامبشاير، ولكن النتيجة خذلته، وسارع مع مساعديه مستفيدا من تفوقه فى «جمع التبرعات»، وطلاقة لسانه، فأقنع «جون كيرى» مرشح الرئاسة الديمقراطى فى انتخابات الرئاسة الماضية لأن يقف ظهر الخميس ويعلن على الملأ تأييده لترشيح أوباما، وهى خطوة ليست بالهينة لاسيما عندما تأتى عن مرشح رسمى سابق للرئاسة. وإذا كانت كل من انتخابات «أيوا» و«نيوهامبشاير» قد أثبتت رغبة الأمريكيين فى التغيير، حتى على الجانب الجمهورى، حيث اختار ناخب «نيوهامبشاير» - فى مفاجأة أخرى لكنها متوقعة - السيناتور الجمهورى وأسير الحرب السابق «جون ماكين» وليس «مات رومنى» الذى أنفق عشرين مليونا من ماله الخاص على حملته، وهو معروف بتوجهاته اليمينية كذلك القس السابق والمنافس الجمهورى «مايك هوكبى». معنى ذلك أن الناخب الأمريكى بغض النظر عن توجهاته سئم أخطاء الإدارة الحالية، فالحرب أتت على الفائض القومى الذى كان الرئيس السابق بيل كلينتون قد تركه، وامتدت إلى جيوب دافعى الضرائب الأمريكية، ناهيك عن تدهور قيمة الدولار والتراجع الاقتصادى. وعلى مدى الأسابيع القليلة المقبلة، فإن الانتخابات المستمرة فى مختلف أنحاء الولايات المتحدة ستتوالى، ولكن يبقى مؤشرا «أيوا» و«نيوهامبشاير» تليهما ولايات مهمة مثل «كاليفورنيا» و«فلوريدا»، وولايات الجنوب، حيث من المعروف ولع الأمريكيين بدعم المنتصرين وليس المهزومين، لاسيما الناخب المستقل أو الناخب الذى لم يحدد لأى مرشح سيعطى صوته، لذا فالمتوقع استمرار المنافسة الشرسة بين «هيلارى كلينتون» و«باراك أوباما»، وباستخدام كل الطرق، حيث بدأت فعلا الإعلانات التليفزيونية سواء المباشرة أو غير المباشرة، وبدأت الانتقادات المتبادلة، فنجد إصرار البعض على تسمية «أوباما» فى أى لقاء تليفزيونى بذكر اسمه الثلاثى «باراك حسين أوباما» فى عملية إسقاط ماكرة لتنشيط ذاكرة الناخبين بأن «أوباما» من أصل مسلم، فوالده مسلم من كينيا ووالدته أمريكية بيضاء، أو الربط بينه وبين أسماء مثل: «صدام حسين» التصقت بالذاكرة الأمريكية! أما «هيلارى» فقد تسلحت بكاريزما زوجها الرئيس السابق «بيل كلينتون» وفريق مخضرم كثير منهم عمل مع زوجها لإدارة حملتها، ووسط كل هذا الكم من المنافسة، ومع توقع المزيد من المفاجآت التى ستتوالى فى بقية الولايات.

يبقى المرشح الديمقراطى «جون إدواردز»، فعلى الرغم من قلة الميزانية المتبقية معه ومرض زوجته بسرطان الثدى، فإنه يظل المرشح الأكثر ملاءمة للمرشح الأمريكى المرتقب، فهو المحامى الشاب الذى انحاز كثيرا لصالح الفقراء فى ولايته كارولينا، وأتى من أسرة متواضعة تماما كالرئيس السابق بيل كلينتون، وإذا كانت أمريكا جاهزة لكسر التابو التقليدى وتقبل للمرة الأولى بترشيح امرأة لمنصب الرئاسة، فإن السؤال المطروح هنا اليوم هو عما إذا كانت أمريكا جاهزة أيضا لإيصال أمريكى ملون إلى البيت الأبيض! وهو سؤال من الصعب التكهن بإجابته، فلطالما حملت الانتخابات الأمريكية مفاجآت لم تنس، وما حدث مع «هيلارى» الثلاثاء الماضى سبق أن حدث مع الرئيس الأمريكى «هارى ترومان» الذى أشارت توقعات واستطلاعات الرأى لهزيمته، وجاءت النتيجة عكسية تماما، أيضا يبدو ما حدث مماثلا لما حدث مع الرئيس «بيل كلينتون»، الذى كان متراجعا فى استطلاعات الرأى أمام بقية المرشحين الديمقراطيين، لكنه فجأة بدأ يظهر ويتقدم حتى فاز بترشيح الحزب الديمقراطى، ثم اكتسح الطريق للرئاسة متغلبا على بوش الأب، وساعتها كان الأمريكيون يريدون التغيير. هذا على صعيد الحزب الديمقراطى، أما على الصعيد الجمهورى فإن تأثير نتائج صعود مرشح فى ولاية، فى صعود آخر فى ولاية أخرى يدلك على التمزق الكبير الحادث لدى الجمهوريين الذين أصبحوا مقسمين إلى تيار يمينى متشدد بفعل نفوذ المحافظين الجدد، وإن كان تراجع إلا أنه نفوذ مستمر، وبين محافظين جمهوريين تقليديين، وهؤلاء أقل يمينية، ففى ولايات مثل فلوريدا من المرجح أن يحصل «رودى جوليانى» المدلل لدى التيار اليمينى ولدى يهود تلك الولاية على أعلى الأصوات، كذلك «مايك هوكبى» المحسوب على تيار اليمين المحافظ، وكان المتدينون فى ولاية «أيوا» قد صوتوا لصالح «مايك هوكبى»، بينما قام الليبراليون فى «نيوهامبشاير» بتغليب كفة «جون ماكينى».

ومع توالى السقوط المتوالى للمرشحين الذين لم يحصلوا على أصوات معقولة، فإنه من المرجح أن يستمر «أوباما» و«هيلارى» و«إدواردز» فى سباق الديمقراطيين - «بيل ريتشاردسون» انسحب يوم الخميس - فإنه من المرجح أن يستمر جون ماكين ومايك هوكبى ومات رومنى للجمهوريين، على الأقل فى انتخابات «نيفادا» وجنوب كارولينا وفلوريدا وميتشجان، بعدها سيتحدد نوعا ما عدد الذين سيخوضون المنافسة حتى الربيع. لن يكون فقط صوت الناخبين هو المرجح، لكن ستلعب الأموال التى سيواصل المرشحون جمعها دورا كبيرا، فالحملات الانتخابية عبارة عن بيزنس كبير، بدءا من جمع التبرعات وتحضير الحملات الإعلانية بكل أنواعها، وبقية المتحدثين والمدافعين عن المرشح والذين يتفرغون لرسم أسلوب الحملة وتعيين مستشار فى مختلف التوجهات السياسية والاقتصادية والقضايا المحلية.. .. إلخ. وإلى جانب بيزنس حملة المرشح نفسه نجد بالمقابل سوقا واسعة موازية للانتخابات تبيع كل شىء من الـ«تى شيرت»، وحتى العلامات اللاصقة على السيارات والملابس والقبعات التى تحمل شعارات المرشحين!
لقد برع الأمريكيون فى تسويق حتى مواقفهم السياسية وتحويلها إلى بيزنس يدر الملايين. ولم يكن غريبا أن نجد هؤلاء وقد طلبوا أجندات ونتائج حائط تحمل العد التنازلى لخروج بوش من البيت الأبيض، وهى منتجات لاقت رواجا كبيرا لدى هؤلاء الذين يعدون الأيام والليالى للتخلص من بوش وإدارته.

وهذا البيزنس لا ينتهى مع انتهاء الانتخابات، فكل مرشح لم يحالفه الحظ سيجد عقدا جاهزا لشراء مذكراته خلال حملته أو أسرارها لطبعها فى كتاب، وربما لإخراجها سينمائيا، وسيجد آخرون دعوات للتحدث أمام تجمعات يتقاضى مقابلها مقابلا ماليا محترما، وربما تبدأ فضائح البعض من المرشحين فى الظهور، وحتى فى هذه الحالة سيجد هذا المرشح سوقا لاستيعاب فضائحه، فكل شىء هنا له ثمن، وبالتالى يمكن أن يباع ويشترى!

Aucun commentaire: