lundi 9 avril 2007

الثقافة والسياسة


إن إقامة الجسور بين المثقف والسلطة (السياسة) حاول الكثيرين إقامتها منذ القديم، لكنها كانت جسورا مهتزة وملغومة، فإن الثقافة كما ينص عليها الباحثون تبدأ من التعريفات العديدة لصانع الثقافة ومصدرها، ألا وهو المثقف الذي يلم بشيء من كل شيء، أو من القطن مقوم الاعوجاج، أو من نمت لديه الملكات العقلية أو البدنية. والثقافة نفسها تتخذ لها مسارات ومستويات عديدة تبعا لوظائفها في المجتمع لذا يبدو طبيعيا أن تكون الثقافة أداة رقابة صارمة على السياسة، أما العكس فمرفوض ومن المؤسف أن السلطة (السياسة) في العالم الثالث تحارب المثقف والحرية ذاتها.

بهذا تتحول الثقافة إلى نقد مستمر للسياسة، وأن تتحول السياسة من جهة أخرى إلى نقد مستمر للثقافة، النقد الذي يحفظ الحدود بين الثقافة والسياسة، وبوضع الثقافة في مواقعها والسياسة في مواقعها أيضا. وهذا النقد المستمر هو الذي يجعل للثقافة قيمة للسياسة، والسياسة قيمة للثقافة. وبهذا النقد تستطيع الثقافة حماية حدودها ومواقعها من تدخلات السياسة وانفعالاتها واندفاعاتها حينما تنزع السياسة إلى الاستبداد والتعسف في استعمال الحق وحين تتسبب في انتهاك حقوق الإنسان وقمع الحريات وحين تندفع نحو تغليب القوة وفرض الهيمنة وتحكيم السيطرة، وحين تتحول إلى حماية الفساد أو التبرير له وتعطيل القانون وشل للقضاء.

وفي الطرف الآخر تقوم السياسة بحماية نفسها من جهة أخرى حدودها ومواقعها من تدخلات الثقافة ورغبتها وفضولها الذي تنجح السياسة في إفشاله وتعطيله أو قمعه والتحايل عليه، والسياسة بارعة في ممارسة هذه السلوكيات وهذا كله لكي لا تجعل الثقافة رقيبة عليها أو مصدر إزعاج لها يحد من انتهازيتها وبطشها وطغيانها ويقيد من رغبتها واندفاعاتها وانفعالاتها.

وبهذا يمكن أن نستخلص بأن الثقافة تعتبر عنصرا أساسيا في حياتنا والتي تشمل جميع جوانب نشاطنا الإنساني، وإذا كان من الواجب تفعيل السياسة في الحقل المجتمعي فيجب أن يكون هناك شرط لحضور الثقافة وفاعليتها وفي المقابل يكون لغياب السياسة في الحقل المجتمعي تهميش للثقافة وتغييبها ، وهنا يظهر تداخل السياسة في الثقافة بالرغم من أنه يجب على الثقافة أن تكون مستقلة عن السياسة .

وجدلية العلاقة بين الثقافة والسياسة تستدعي أيضا وجود جدلية بين المثقف والسياسي هذان الاثنان اللذان عرفا خلال العقود الأربعة الأخيرة خللا في علاقتهما التي لم تكن في يوم من الأيام متكافئة، فلقد كان العامل السياسي هو صاحب القرار يعتمد على قوى تقليدية لا علاقة لها بالثقافة بمفهومها المعرفي هكذا يعتبر السياسي دور المثقف منحصر في تبرير السياسة فقط. ولهذا السبب كانت المطالبة بإفساح المسافة بينهما أمرا عقلاني ومطلوب. لكن ليس ابتعادا عن العمل السياسي لأن المثقف يجب أن يستكمل بالعمل السياسي مالا يقدر العمل الثقافي على استكماله.

إن المثقف يصبح همه الوحيد والذي يشغله هو الانغماس في هموم عصره والالتزام بواقعه وحرصه على الثراء المعرفي والتجديد الإبداعي وكل هذا ينصب في توجه سياسي صرف.

Aucun commentaire: